mercredi 4 juillet 2012

تقسيم الغراق...تقسيم العرب...


تقسيم العراق...تقسيم العرب

لا يخفى على أحد ممن يقرؤون التّاريخ و يتابعون الأحداث ، أنّ منطقة الشّرق الأوسط كانت منذ القديم و ما تزال ،محطّ أطماع هذه القوى أو تلك ،على قاعدة هيمنة القويّ على الضّعيف .و ذلك إمّا بالاحتواء أو بالاحتلال المباشر أو بالتّقسيم.ففي فترة ما اصطلح عليه بالعصر الجاهليّ أو عصر ما قبل الإسلام ، كانت تهيمن على شبه الجزيرة العربيّة ثلاث قوى عظمى في ذلك الوقت ، بل ثلاث أمبراطوريّات هي:
- الأمبراطوريّة الفارسيّة
- الأمبراطوريّة البيزنطيّة
- الأمبرطوريّة الحبشيّة
و قد استعانت هذه الأمبراطوريّات بممالك كانت خاضعة لها تمثّل بالنّسبة إليها رافدا اقتصاديّا و متّسعا حيويّا لسلطانها.
ففي الشّمال الشّرقيّ من شبه الجزيرة العربيّة كانت فارس تسيطر من خلال مملكة المناذرة ، على العراق و على جزء كبير من أرض الحجاز مستغلّة في ذلك انقسام سكّانها إلى قبائل متناحرة ، متحالف بعضها على البعض الآخر نتيجة قساوة الطّبيعة و شح الموارد الطّبيعيّة و انعدام كيان قويّ متماسك يمكن أن يجمع النّاس على مصالح موحّدة و مصير واحد.و على الشّمال الغربيّ من شبه الجزيرة العربيّة كانت الأمبراطوريّة البيزنطيّة تهيمن على الشّام من خلال مملكة تابعة لنفوذها هي مملكة الغساسنة ، و كذلك الأمر في جنوب شبه الجزيرة حيث كان أمبراطوريّة الحبشة تهيمن على قسم من منها لا سيما بعد أن ضعفت مملكة حمير بسبب كساد التّجارة ،و انهيار سد مأرب عام (575م) و ما سبّبه من خراب أراضي الرّي اليانعة ممّا سدّد ضربة لازدهار البلاد.
كانت شبه الجزيرة العربيّة كما أسلفت منقسمة على ذاتها بين قبائل متصارعة متحالف بعضها على البعض الآخر من جهة، وعلى اللممالك المتنافسة و الخاضعة بدورها إلى الأمبراطوريّات المجاورة لها من جهة ثانية.و قد زاد التّنافس بين هذه الأمبراطوريّات و لاسيما بين الفرس و البيزنطيين، من ضعف الممالك العربيّة و انقسامها و ضعف مواردها الاقتصاديّة .فقد سيطر الرومان على التّجارة البحريّة، الّتي نافست التّجارة البرّيّة.و قد أدّى ذلك إلى المزيد من الصّراعات السّياسيّة و الدّينيّة بين أتباع أكبر ديانتين في ذلك العصر اليهوديّة و المسيحيّة.
و لمّا ظهر الإسلام ، و انتشرت الدّعوة الإسلاميّة في شبه الجزيرة العربيّة ظهر كيان جديد هو الدّولة الإسلاميّة الّتي أسقطت الأمبراطوريّات الّتي كانت تهيمن على المنطقة و تجاوز نفوذها و إشعاعها خارج الجزيرة العربيّة في كلّ الاتّجاهات.
إلاّ أنّ انتشار الإسلام على أنقاض أكبر أمبراطوريّتين هما الأمبراطوريّة الفارسيّة و الأمبراطوريّة البيزنطيّة ،لم يمنع ذلك من أمرين :
- الصّراع على الحكم بين الإخوة
- التّنافس بين الإخوة الجدد و أعداء الماضي ، على الالتفاف على الحكم مستغلّين في ذلك شتّى العوامل:
· الثّقل الثّقافيّ
· الثّقل الاقتصاديّ
· الثّقل البشريّ
فظهرت المذاهب و الفرق الدينيّة الّتي كانت في الواقع تحمل خلفيّة سياسيّة ذات رواسب تاريخيّة و عقائديّة و ثقافيّة.
لم يمنع سقوط دولة السّاسانيّين إثر ظهور الإسلام من ظهور الدّولة البويهيّة ذات الأصل الفارسيّ ذي النّزعة ( القوميّة العرقيّة ) ،كما لم يمنع سقوط الأمبراطوريّة البيزنطيّة من هيمنة العثمانيين ذوي الأصل التّركيّ ذي النّزعة ( القوميّة و العرقيّة)حتّى بداية القرن العشرين الّذي شهد ظهور قوى جديدة سعت إلى تقسيم الأمبرطوريّة الإسلاميّة المنقسمة على نفسها أصلا نتيجة الصّراعات السّياسيّة و العرقيّة و المذهبيّة المتخفّية وراء ستار الدّين.و كانت معاهدة سايكس بيكو بين أكبر قوّتين في بداية القرن العشرين هما فرنسا و بريطانيا.و قد أقرّت هذه المعاهدة تقسيم البلدان الضّعيفة كتركة استعماريّة ، لتكون مصدرا من مصادر الطّاقة و الموادّ الأوّليّة اللاّزمتين لتشغيل مصانع الدّول الكبرى .و قد سعى هذا التّقسيم إلى تشويه الخارطة الجغرافيّة و البشريّة و الاقتصاديّة للبلدان الضّعيفة ، لتزداد ضعفا و انقساما.و قد كان نصيب البلاد العربيّة في التّقسيم ، نصيب الأسد ،ليجعل منها فسيفساء ، تكمن بين أجزائها خلافات قاتلة ، إمّا على الحدود ، أو على الثّروات الطّبيعيّة ،أو على الانتماء العرقيّ أو الطّائفيّ أو المذهبي.و ممّا زاد الطّين بلّة ، وعد بلفور المشؤوم الّذي أعطى ما لا يملك لمن لا يستحقّ .و تمّ غرس الكيان الصّهيونيّ في خاصرة الوطن العربيّ ،ليكون بمثابة السّرطان الّذي ينخر من يوم إلى آخر الجسد المنقسم أصلا و المتداعي بسبب الخلافات الجانبيّة و الصّراعات الهامشيّة.و إذا كان من دور لزرع الكيان الإسرائيليّ الصّهونيّ، فهو تقسيم المقسّم و تجزئة المجزئ و هي المرحلة الأخيرة في سيناريو تقسيم العالم حتّى يسهل على القوّة الأعظم حكم العالم بدون منازع.
و احتلال العراق إنّما هو مرحلة جديدة في سياسة تقسيم العالم بعد تقسيم الاتّحاد السّوفياتيّ السّابق.و لتنفيذ هذا المخطّط لجأت الولايات المتّحدة الأمريكيّة إلى افتعال أزمات و حروب في المنطقة كان وقودها العراقيّون و الإيرانيّون و شعوب الجوار .و لم تكن في حاجة إلى ذرائع و مبرّرات لإشعال الحروب
و الفتن، فمرّة بذريعة غزو العراق للكويت ، و مرّة بذريعة أسلحة الدّمار الشّامل ، و مرّة أخرى بذريعة تخليص العراقيّين من ديكتاتور طاغية ، و نشر الدّيمقراطيّة.و الكلّ يعرف أنّ مناطق الحظر الجوّيّ الّتي فرضت على النّظام العراقيّ السّابق في حرب الخليج الثّاية لم تكن سوى الخطوة الأولى لتقسيم العراق، أتبعتها الإدارة الأمريكيّة بضرب حصار طويل دام أكثر من عشر سنوات ، كانت هي الفترة اللاّازمة لتحقيق هدفين إثنين .الهدف الأوّل هو إضعاف النّظام العراقيّ السّابق و حرمانه من موارد تمكّنه من النّهوض بعد ما لحقه من إنهاك إثر حرب ما أطلق عليه عاصفة الصّحراء.أمّا الهدف الثّاني فهو خلق أمر واقع يتمثّل في عزل الوسط عن شمال العراق و جنوبه و بالتّالي عزل المركز عن الأطراف ،و إيجاد وضع مغر بالانفصال لكلّ من الأكراد و الشّيعة.ثمّ قامت حرب الخليج الثّالثة لتنتهي باحتلال العراق و الإطاحة بالنّظام .و من هنا انطلقت الحلقة الموالية في سيناريو التّقسيم ، و ذلك بإثارة النعرة العرقية و الطّائفيّة و إدخال البلاد في حالة من الفوضى الّتي أطلق عليها جورج بوش صفة ((الخلاّقة)).و لم يكن مخطئا في ذلك ،لأنّ هذه الفوضى خلقت انخراما في التّوازن البشري الّذي كان يعيشه العراق قبل الحرب. خلقت أحقادا بين الطّوائف و الأعراق المتساكنة و المتعايشة منذ عشرات القرون.خلقت جوّا رهيبا من انعدام الأمن و غياب الاستقرار.خلقت جوّا من التّنافس غير الشّريف بين التيّارات السّياسيّة .خلقت جوّا مشحونا بالعنف ليس فيه غير لغة الموت.و لتكريس مبدإ التّقسيم أقامت الحواجز و الجدران بين مناطق عديدة في العراق لتسريع عمليّة الانقسام الّذي لعب فيه انعدام الأمن ،الدّور الرّئيسيّ في عمليّات التّصفية على الهويّة ، و عمليّات التّهجير القسري لتتضح معالم العراق الجديد المقسّم إلى ثلاث مناطق هي نفسها تقريبا مناطق الحظر الجويّ الّذي فرضته امريكا على النّظام العراقيّ السّابق:
- منطقة في الشّمال للأكراد .
- منطقة في الوسط للسنّة .
- منطقنة في الجنوب للشّيعة.
و قد يبدو لأوّل وهلة أنّ هذا التّقسيم ،جاء نتيجة حتميّة للصراعات القائمة بين مكوّنات الشّعب العراقيّ.
و لكنّ الحقيقة الواضحة هي ، فرض خارطة تقسيم جديدة تقوم على حصر الثّروات النّفطيّة الموجودة أصلا في الشّمال أي في مناطق الأكراد ، و مثيلتها الموجودة في الجنوب أي في مناطق الأغلبيّة الشّيعيّة ، ليبقى السنّة في منطقة شاسعة و خالية من الثّروات الطبيعيّة .و حتّى يسهل تثبيت مبدإ التّقسيم على الأرض سعى الأمريكان و حلفاؤهم إلى توظيف التّنوّع الثّقافي و العرقي و الدّيني و الطّائفي توظيفا مغرضا يرمي إلى تطبيق مبدإ فرّق تسد،بل ابعد من ذلك تطبيق مخطّط قديم يرمي إلى إرجاع العراق إلى عصر ما قبل الصّناعة كما صرّح بذلك الرّئيس الأمريكي السّابق جورج بوش الابن.ممّا يعكس الدّوافع الذّاتيّة الّتي تتحكّم في سياسة الإدارة الأمريكيّة.
و لا يخفى على أحد وجود استراتيجيّة أمريكيّة واضحة تحكم سياستها في الشّرق الأوسط عموما و في العراق بصورة خاصة تتمثّل :
- حفظ أمن إسرائيل و القضاء على كلّ خطر- مزعوم - يمكن أن يهددها.
- السّيطرة على الثّروات البتروليّة الموجودة في العراق،تمهيدا للتّحكّم النّهائي في الثّروات النّفطيّة الموجودة في المنطقة عموما.
- تعزيز وجودها العسكريّ في المنطقة بدعوى مقاومة الإرهاب.
- إحكام الطّوق على روسيا وريثة الاتّحاد السّوفياتي القديم.
- محاولة تحجيم القوّة الاقتصاديّة و البشريّة ،الصاعدة في منطقة شرق آسيا ،ألا و هي الصّين.
ٍ و لتطبيق هذه الاستراتيجيّة اختلقت الإدارة الأمريكيّة أكذوبة أسلحة الدّمار الشّامل ، و روّجت لما أسمته الحرب على الإرهاب.
و قد مهّدت لذلك بإعلان إيران و سوريا و كوريا الشّماليّة محورا للشّرّ في العالم .و قد استفادت من أحداث الحادي عشر من سبتمبر لإعلان حربها على الإرهاب مستهدفة في ذلك أفغانستان ثمّ العراق.و قد مارست كلّ ما تملكه من وسائل الضّغط تارة و، وسائل التّرغيب تارة أخرى، لتعزّز جانبها بما تسمّيه بدول التّحالف أحيانا، و حلفاء الولايات المتّحدة أحيانا أخرى.
و إذا كانت أمريكا قد نجحت في وقت سابق في تفكيك الاتّحاد السّوفياتي ،فقد جعلت من أولويّاتها القضاء على التّيّارات القوميّة العربيّة . فبعد أن تخلّصت من جمال عبد النّاصر، و جرّت مصر إلى اتّفاقيّة كامب ديفد ،كان عليها أن تتخلّص من صدّام حسين الحلقة الصّعبة في سلسلة القوميّة العربيّة، ثمّ تنتقل بعد ذلك إلى الحرب على الإسلام تحت مسمّى آخر هو الحرب على الإرهاب.لذلك ما فتئت أمريكا و حلفائها في الغرب ، و عبر مختلف الوسائل الرّسميّة و غير الرّسميّة؛ ما فتئت تربط بين الإسلام و الإرهاب،و تجنّد أعوانا لها من أفراد و مؤسّسات ،لتشويه صورته و صورة الرّسول الكريم صلى اللّه عليه و سلّم.
و لننظر إلى خارطة الوطن العربيّ ،فسنرى أصابع الأخطبوط الأمريكيّ يمتدّ إلى السودان و إلى الصّومال و إلى أكثر من بلد عربيّ ، إن لم يكن بصورة مباشرة فبصورة غير مباشرة.
و ما قضية دارفور في السّودان، و المحاكم الإسلاميّة في الصّومال إلاّ مطيّة تركبها الإدارة الأمريكيّة لدخول القارّة الإفريقيّة من بوابته العريضة و الدّافع دائما هو النّفط و الموارد الطّبيعيّة الّتي تملكها القارّة البكر.
و إن كانت مشاريع أمريكا في القارة الإفريقية تمشي بخطى السّلحفاة ،فذلك لأنّ مشروعها في العراق و في الشّرق الأوسط عموما قد تعثّر ، بفضل قوى المقاومة في العراق ، و في لبنان ،و في فلسطين المحتلّة و بالذّات في غزّة المناضلة و المحاصرة ، و إلاّ لكانت مضت في ذلك أشواطا أبعد .
و لا ننسى ورطتها في أفغانستان في حربها على ما أسمته الإرهاب.كلّ ذلك دفع الإدارة الأمريكيّة إلى تهويل ما أسمته بالخطر الإيرانيّ لتبرير استمرار تواجدها في المنطقة ،و إعطائه الشّرعية الدّوليّة و الإقليميّة .
كان على العرب أن يعوا أنّه بعد إخراج مصر من دائرة الصّراع العربي الإسرائلي، و تكبيلها باتّفاقيّة كامب ديفد المهينة،سيسهل على أمريكا و الغرب أن ينفردا بالعراق باعتباره آخر حصن يحمي ظهور العرب.و هذا ما حصل فعلا و بمساعدة من بعض الدّول العربيّة و مباركة أخرى و سكوت باقي الدّول الأخرى.
و خلاصة القول أنّه في حالة نجاح أمريكا في تحقيق وجود عسكريّ دائم لها في العراق ، وضمانها لتقسيمه ،فإنّها تكون قد ضمنت القضاء على أهم معقل من معاقل الممانعة ذي الأحلام القوميّة الّتي قد تشكّل خطرا على إسرائيل و على مصالحها و مصالح الغرب عموما.و بالتّالي ستسقط الدّول العربيّة الأخرى كأحجار الدومينو في مربّع التّقسيم الّذي رسمته لها الإدارة الأمريكيّة و حلفاؤها الغربيّون.و البلدان المرشّحة للتّقسيم عديدة منها الصّومال و السّودان و مصر و الجزائر .و ها هو ذا التّيّار الانفصاليّ في اليمن يعاود الظّهور و يختلق المشاكل و المواجهات تحت عناوين و أجندات مختلفة لا أعتقد أن أصابع أمريكا و إسرائيل و الغرب غائبة عنها.
أهمّ ما نستخلصه ممّا تقدّم أنّ تفرّق الصفّ العربيّ و ضعف دوله و تخلّفها و تبعيّتها للغرب و على رأسهم الولايات المتّحدة الأمريكيّة؛ كلّ ذلك أفقدها استقلالها ، و استقلاليّة قراراتها ، و أفقدها السّيطرة على ثرواتها و مقدّراتها.فمتى يعي العرب حكّاما و شعوبا أنّهم حاجة ماسة إلى التّعاون و تنظيم صفوفهم في تكتّل إقليميّ ذي صبغة اقتصاديّة على غرار الاتّحاد الأروبيّ،و أن يؤهّلوا أنظمة الحكم في بلدانهم و مؤسّساتهم المدنيّة لتقبّل عقليّة الاتّحاد و ترابط المصالح دون أن يسقطوا في دائرة التّعصّب القوميّ أو الدّينيّ أو الطّائفيّ ؛ و ذلك حتّى يحقّقوا على أقلّ تقدير الأهداف التّالية:
- الأمن القومي
- التّكامل الاقتصادي
- الانخراط بفعاليّة في الاقتصاد العالمي.


محمد الصالح الغريسي

Aucun commentaire: